الأحد، 2 سبتمبر 2012

حرب التحرير: سلعة غالية وثمن كبير

مجاهد ديرانية


قرأت تعليقات لا تُحصى على عمليات الجيش الحر في المدن، كُتب أكثرها بلهجة النقد والإدانة لأن الجيش الحر يدخل -كما يقولون- في مغامرات غير محسوبة، فهو ينتشر في المدينة ويعلن سيطرته عليها، ثم يعجز عن الاحتفاظ بها ويضطر إلى الانسحاب منها تاركاً سكانها للموت والعذاب والدمار والخراب. ثم تصل تلك التعليقات إلى النتيجة المنطقية الوحيدة بعد تلك المقدمة الحزينة: ينبغي على الجيش الحر الابتعاد عن المدن، وعليه أن لا يورّط المدنيين في المعركة لأنهم يدفعون الثمن الباهظ بعد كل هزيمة للجيش الحر ويصيبهم البلاء بعد كل انسحاب.
في الماضي كان لي رأي مشابه، وكنت أدعو إلى ابتعاد المجاهدين عن التجمعات السكانية لحماية المدنيين من انتقام النظام. ولكن أيّ ماض هذا الذي أتحدث عنه؟ لقد صار اليوم بعيداً، غَيّبته عن عالم اليوم شهورٌ طويلة تغير في أثنائها كل شيء. كانت مواجهتنا مع النظام ثورة شعبية سلمية يخرج فيها الأحرار بالمظاهرات فيقابلهم المجرمون بالقنص والقتل والاعتقال، فنشأت مجموعات من مجاهدي الثورة كانت في البداية قليلة العدد ضئيلة الحجم، وكادت تقتصر وظيفتها على حماية المدنيين فلا تتعداها إلى سواها. في تلك المرحلة لم يكن مقبولاً ولا معقولاً أن يسبب المقاتلون الأذى للمدنيين العُزّل وهم إنما وُجدوا لحمايتهم، فكان سائغاً أن يَدْعوَهم الداعون إلى الابتعاد عن التجمعات السكانية حتى لا يلحقها الأذى بسببهم. وهم صنعوا ذلك فعلاً، فانتشروا في أطراف المدن، في المزارع والبساتين والجبال.